الباجي يستأذن الدّخول على شكري بلعيد

يقول أبو العلاء، و العهدة عليه، أنّ الانتظار في قاعة الانتظار العليا طويل و هو كذلك في الدّار العاجلة حتّى أنّ بعضهم سبّ فيها بعض الثقلاء فقال له : يا أمرّ من الانتظار. و المنتظرون في السّماوات العلى يملّون أكل الشّهيّ من الطّعام و شرب اللّذيذ من العصائر و افتضاض الطّريّ من الأبكار و قد اشتهت نفس الباجي أن يلاقي الشهيد شكري بلعيد وهي في الحقيقة شهوة كانت تخامره منذ أن كان في الدّار الفانيّة و لكنّه كان متخوّفا من مواجهته فقد عرفه مثل كلّ التونسيين صعب المراس عصيّ المزاج و لكن كان لا بدّ للباجي من أن يطيّب خاطره و من أدراك فلعلّ شهادة منه تنفع للعبور و الفوز بالجنّة. و ما أن خطرت للباجي هذه الخاطرة حتّى وقف بين يديه واحد من الحشم منبّها إلى أنّ للشهداء قاعة خاصّة بهم و أنّ الاستظهار برخصة عبور مستوجبة. فقال له الباجي لقد كنت اضطلعت في الدّنيا الفانية بمهامّ رئيس الدّولة فهل تؤهّلني صفتي هذه للعبور؟ فجاء الأمر بتخصيص براق طار بالباجي إلى مقرّ الشهداء فإذا لافتة كُتب عليها بأحرف من نور: « و لا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربّهم يرزقون. و لاحظ الباجي وهو في العادة دقيق الملاحظة أنّ الدّيكور غير الدّيكور و أنّ الخدمات في اللباس و الأكل و الشرب و الحشَم غير الخدمات و بان له على جباه الشهداء نور لم يكد يتبيّن بسببه شكري بلعيد و محمد البراهمي من بين العدد الغفير من الشهداء المغتالين بالرّصاص و الحديد و السكتات القلبيّة. فسلّم و لكن شكري أبى أن يردّ عليه السّلام و كاد أن يطالبه بمغادرة القاعة لولا أن قذف الله صبرا و تسامحا في صدره طوّعه إلى استقبال ضيفه. و الباجي رجل ذكيّ و كان يودّ أن يعلمه بأنّه أدّى فيه واجب العزاء في بيته و أنّه استقبل زوجته و عشيرته مرارا في قصره و أنّه جعل من الكشف عن قاتله قضيّته الشّخصيّة فوجده على علم بكلّ التفاصيل و بكلّ الحقائق. فلم يبق من الباجي إلاّ أن اعتذر عن التصريح بالجهة الآمرة باغتياله التّي يعرفها هو بالحجّة و يعرفها النّاس بالحسّ ذلك لأنّ الدستور أدرجها ضمن أسرار الدّولة إلى زمن قد يطول و قد يقصر تطيب فيه النفوس و تنشف فيه العروق
فما كان من شكري إلاّ أن عانقه و قال له ممازحا : هل تريد أن أفشيك سرّا أطلعني عليه بعض خزنة الدّيوان الإلاهي : لقد تخيّرني القضاء و القدر في تسمية أولى أن أكون أنا الرئيس التونسي المنتخب في 2014 و لكنّ المشيئة الإلاهيّة فضّلت أن ترفعني إلى الدّيوان السّماويّ و كذلك تفعل بأخيار البشريّة فلا يطول مكوثهم في الأرض ولم تجد عند تشطيبي إلاّك بديلا. فسبحان الله عمّا يصفون و إنّي لا أرى غبار فارس قادم في الأفق و لكنّي لمستخبر عن الرئيس الموالي لك و عساه يكون خيرا منّا

الدكتور الهادي جطلاوي